هيا نجدد إيماننا

هــــيــــــا نجـــــدد إيمــــاننــــا

بعد أن عرفنا دور الإيمان وأثره الفعال في حياة الأفراد والأسر والمجتمعات وأنه العلاج الشافي من كل العلل والأمراض التي تخلفها المادية ، صار لزاماً أن ننبه إلى بعض الأسباب التي نستعين بها لتقوية إيماننا وتجديده ، كي نستطيع أن نتحرز من الفتن والانحرافات ولكي نستطيع أن نتخطى العقبات التي تعترضنا على الطريق 0
ولنتواصى جميعاً أن نأخذ بهذه الأسباب في عزم وجد سائلين الله أن يمنحنا إيماناً صادقاً وأن يثبت أقدامنا على طريقه 0
والحقيقة أن مصادر الزاد التي يقوى بها إيماننا متعددة نذكر بعضها في إيجاز ، والجدير بالاهتمام أن نعرف كيف ننهل من تلك الينابيع التي لا تنضب 0
وأول هذه الينابيع وأهمها بل هو أصلها جميعاً ( القرآن الكريم ) فقد وصفه الله تعالى في القرآن نفسه أنه هدى ونور ورحمة وموعظة وذكر وشفاء لما في الصدور وأنه يهدي للتي هي أقوم إلى آخر هذه الصفات 0
إن تلاوة القرآن والإستماع إليه في تدبر يزيد الإيمان مصداقاً لقول الله تعالى : {{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً }} وقوله تعالى : الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله }} وقوله عز وجل : {{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين }} 0
ثم إننا نجد القرآن الكريم يتناول قضية الإيمان بالله وباليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل والقدر ، ويدلل عليها بأسلوب سهل منطقي مقنع وبصورة ميسرة لمن أراد أن يذكر {{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر }} فالمطلوب أن نعد أجهزة الإستقبال وهي القلوب ونزيل ما قد يكون عليها من أقفال أو رين كي يسري نور القرآن فتتأثر به ويقوى الإيمان {{ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها }}
{{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }}
هكذا سنجد القرآن يتعهدنا ويرشدنا في كل أمورنا وأحوالنا كي نسلك السبيل الصحيح الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين 0
والقرآن الكريم يوجهنا إلى مصدر هام من مصادر تجديد الإيمان وهو التفكر في خلق الله لنتعرف من خلال ذلك على عظمة الله وقدرته فينعكس ذلك تعظيماً وتنزيهاً وتقديساً لله سبحانه وتعالى : {{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار }}
{{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت }}
والتفكر في أنفسنا وما أودعه الله في أجسامنا من عقل وأجهزة غاية في الدقة وتؤدي وظائفها في انتظام : {{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون }}
والعلم الحديث يكشف لنا بصفة مستمرة أسراراً عجيبة في عالم الشموس والنجوم والأقمار وفي عالم الحيوان والطيور والحشرات وفي عالم النبات والجماد : {{ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه }} 0

التفكير في نعم الله
والتفكر في نعم الله التي أنعم الله علينا بها والتي لا تعد ولا تحصى {{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }} كي نقدر فضل الله علينا وفقرنا وحاجتنا إليه فنقدره حق قدره ونقوم بواجب الشكر أن نستعمل هذه النعم في طاعة الله وألا نستعملها في معصيته 0
وأعرض هنا أسلوباً للتفكر في نعم الله يترك أثره الفعال في النفوس ، ذلك أن نتصور إنساناً أصيب في عينيه وفقد بصره ثم نتصور ما سيطرأ على حياته من تغيرات ، وإذا تصورنا أنه فقد سمعه مع فقد بصره فإذا به في سجن مظلم فلا يرى أحداً ولا يسمع أحداً فتكون حالته أصعب كثيراً ، ثم إذا تصورنا بعد ذلك أنه فقد مع ذلك نطقه فصار لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ، تصور أخي القارىء حالة مثل هذا الإنسان الذي لا يستطيع أن يوصل ما يريده إلى غيره كما لا يستطيع غيره أن يعبر له عما يريد منه ، ما أقسى الحياة دون هذه النعم الثلاث من بين نعم الله التي لا تحصى ومنها نعمة العقل 0

معايشة السيرة النبوية

ومما يقوي الإيمان أن نعيش السيرة النبوية الطاهرة وما فيها من أحداث ومواقف إيمانية لرسول الله وصحابته لنقتدي بهم ، وما أكثر تلك المواقف الإيمانية ، فمثلاً فدائية سيدنا علي رضي الله عنه عندما نام ليلة الهجرة مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله سبحانه وحفظه له هو ولأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار والمشركون أمام بابه (( ما بالك باثنين الله ثالثهما )) 0 (( لا تحزن إن الله معنا )) 0 وكذلك تلك النماذج الرائعة من الصبر على إيذاء المشركين وتعذيبهم ولو أدى إلى الاستشهاد كما حدث لياسر وسمية رضي الله عنهما وما تعرض له بلال وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين 0
ومن السيرة أيضاً نعرف ثمرة الإيمان المتمثلة في الحب والأخوة التي أثمرت الإيثار بين الأنصار والمهاجرين ، وكذلك مواقف الثبات والجهاد والتضحية وحب الاستشهاد في سبيل الله 0
كما نجد في السيرة مواقف إيمانية قوية لنساء مسلمات كـ أسماء بنت الصديق وخديجة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ونسيبة بنت كعب وسمية زوج ياسر رضي الله عنهن وغيرهن كثيرات 0
ولما كانت السيرة هي التطبيق الأول للإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي فترة نزول الوحي فسنجد فيها زاداً كبيراً يعين على الطريق ووعورته 0

أداء الفـــــــــرائـــــــض

ومن أسباب تجديد الإيمان وتقويته أداء الفرائض الأربعة وهي الصلاة والصيام والزكاة والحج فحينما تؤديها في وقتها وبحضور القلب ستزودنا بطاقة إيمانية متجددة وبزاد من التقوى {{ يأيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون }} 0
{{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }} 0
{{ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }} 0
وفي ثنايا آيات الحج {{ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى }} 0
فعلينا أن نعيش أسرار العبادات وليس ظاهرها فقط 0
فالصلاة حين نؤديها حق الأداء بحضور قلب تزودنا خمس مرات على الأقل بزاد روحي متجدد 0
كذلك الشهر الكريم شهر رمضان وما فيه من زاد روحي غامر 0
والزكاة التي تطهر النفس وتزكيها {{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }} 0
وأما فريضة الحج فلها أثرها الرباني العالي الذي يطهر الحاج من كل ذنوبه ويعود كما ولدته أمه 0
وكل فريضة من هذه الفرائض الأربعة لها آثارها التربوية الهامة اللازمة لبناء شخصية المسلم القدوة 0
ومن مصادر الزاد الهامة التهجد وقيام الليل خاصة وقت السحر في هدأة الليل والناس نيام ، بعيداً عن الأضواء والضوضاء والرياء ، حيث يصفو القلب وتزكو الروح وتكون المناجاة لله ويكون الذكر والدعاء والتسبيح والاستغفار والركوع والسجود 0
في هذا الجو الرباني يطرق المؤمن باب الكريم سبحانه ليسأله فيعطيه ، يطرق بابه بركعات خاضعة وسجدات خاشعة ، ودعوات خالصة ، ودمعات من خشية الله ، وترتيل لكلام الله سبحانه 0
ولقد وجه الله سبحانه نبيه إلى قيام الليل ليعده لتحمل الأمانات الثقيلة : {{ يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا }} 0
ومن صفات المؤمنين {{ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون }} 0
{{ والذين يبيتون لربهم سجدا وقياماً }} 0
{{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً }} 0
وفي حديث لرسول الله : (( إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة )) رواه مسلم
وما أحوجنا في هذه الأوقات من الدعاء لدعوتنا ولإخواننا المجاهدين في كل مكان بالنصر والتمكين 0
ومن مصادر الزاد المتجدد اتباع سنة رسول الله في كل أمور حياتنا فباتباع سنة رسول الله نرقى بأنفسنا روحياً وسلوكياً مقتربين ما أمكننا من حياة رسول الله المتميزة بالسمو الروحي وقوة الإيمان ، وتجعلنا نعيش حياتنا ونحن في وعي وتذكر لله ولفضله علينا في كل أحوالنا ، حيث إن الأدعية المأثورة عن الرسول عند الطعام والشراب والنوم والاستيقاظ وعند لبس الثياب وخلعه وعند قضاء الحاجة وغير ذلك تجعلنا نمارسها ونحن على ذكر لفضل الله علينا ورحمته بنا بدلاً من أن نقوم بها ونحن في غفلة ويشاركنا فيها الشيطان 0

ذِكْـــــــــر الله

ومما يجدد الإيمان ذكر الله والمداومة عليه ، فالذكر لله يكون مع الله ويكون الله معه ، ومن كان الله معه شعر بالاطمئنان والراحة والسعادة الروحية {{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }}
{{ يأ يها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً }}
{{ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم }}
ومن داوم على ذكر الله لم يكن من الغافلين ويبعد عنه الشيطان ، وعندما نقرن ذكر الله بالدعاء نزداد صلة بالله وتعلقاً به وشعوراً منا بضعفنا وفقرنا إلى الله الغني القوي القهار الرزاق الذي بيده الأمر وهو على كل شيء قدير 0
ويتم الدعاء في تضرع وتذلل وثقة بإجابة الله فقد قال سبحانه {{ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم }}
{{ ادعو ربكم تضرعاً وخفية }}
فالدعاء مخ العبادة والإعراض عنه جحود واستكبار 0
ومما يقوي الإيمان ويجدده صحبة الصالحين حيث يتحقق التواصي بالحق والتواصي بالصبر وتتحقق الذكرى التي تنفع المؤمنين ويتحقق التعاون على البر والتقوى 0
وكما أن الإيمان يدفع إلى العمل الصالح فإن العمل الصالح يدعم الإيمان ويركزه في النفس 0
وهناك من الأسباب والوسائل لتقوية الإيمان وتجديده الكثير لمن صدقت نيته لتحقيق ذلك وصدق الله العظيم {{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }}
{{ ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد * فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض }}
ما أجدرنا لنتعرف على مدنا صدق إيماننا أن يعرض كل منا حاله على صفات المؤمنين التي وردت في كتاب الله وفي حديث رسول الله ونتبين مدى مطابقتنا لها فنحمد الله ونسأله المزيد أو نستغفره ونعمل على تدارك الأمر قبل فوات الأوان 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

[size=21]لـ / مصطفى مشهور

[/size]

جزاكم الله خيرالجزاء